السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته
**
*
هل يضايقك حديث رمضان
هذا جانب من حوار دار بين صديقين قبل رمضان بثلاثة أيام:
الأول (يقبِّل يده ظاهرها وباطنها): الحمد لله، أنا مسلم وموحِّد بالله، وأصوم رمضان،
وأصلي الخَمس .. إلخ إلخ، ولكنني بصراحة مللت مما يقال وما يُكتَب عن رمضان
بسبب تكراره، بل إنني أكاد أحفظ كل ما قيل وما يقال عن رمضان، حتى إنني لم أعد
ألتفت إلى أي مقال يتضمن عنوانه هذه الكلمة، إنني أكاد أصرخ: "كفاكم حديثا عن رمضان"!!.
الثاني (وقد أضمر في نفسه شيئا): ما رأيك في أن نطالب أئمة المساجد بعدم التحدث عن
رمضان في خطبة الجمعة، ونطالب المتحدثين والعلماء بعدم ذكر أي شيء عن رمضان
في ندواتهم الدينية؟ وما رأيك في أن نفعل نفس الشيء مع الصحف والمجلات والوسائل
الإعلامية المختلفة؟ وبهذا يمر رمضان "هُس هُس" لا حِسّ ولا خبر.. هل هذا هو ما تريده
يا صديقي العزيز؟!.
الأول: (يصمت متأملا).
الثاني يستطرد قائلا: وبهذه المناسبة وعندما ألقاك في رمضان بعد أيام أرجو أن تعذرني إذا
لم أقل لك: "كل عام وأنت بخير"؛ لأن هذه العبارة تكررت كثيرا، وأصبحت مملة ولا قيمة
لها ولا فائدة منها، هل يرضيك ذلك؟! ثم هل تظن أنك وحدك الذي تعيش في هذا الكون؟!
الأول: ماذا تعني؟
الثاني: هل نسيت أنه يولد في كل يوم آلاف الأطفال، وأن هؤلاء الأطفال يكبرون وينضجون،
ويأتي عليهم يوم يقرءون فيه عن رمضان لأول مرة في حياتهم؟ ألا تريدنا أن نكتب شيئا
عن رمضان لهذه الأجيال الجديدة المتعطشة إلى العلم والمعرفة؟ أم أنه لا يوجد في الدنيا
غيرك؟!! ثم ألست أنت شخصيا في حاجة إلى من يُذكِّرك بفضل رمضان وعظمته لعل الله
يتقبل منك في هذا العام ما لم يتقبله في العام الماضي؟!
وهنا أحب أن أقف معك وقفة طويلة عند كلمة "يذكِّرك" هل وعيت يا عزيزي آية "وذكِّر فإن
الذكرى تنفع المؤمنين"؟! إن الذكرى تنفع المؤمنين وحدهم ولا تنفع غيرهم، فكيف ترفض
أن نذكِّرك بالكثير عن رمضان؟! تعالَ أيها العزيز نقرأ معا في ظلال القرآن، حيث يقول
الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - متحدثا عن رسول الله :
"إنما هو مُذكِّر، فعليه أن يذكِّر وأن يمضي في التذكير مهما أعرض المعرضون وكذب
المكذبون، فإن الذكرى تنفع المؤمنين ولا تنفع غيرهم من الجاحدين، والتذكير هو وظيفة
الرسل، والهدى والضلال خارجان عن هذه الوظيفة، والأمر فيهما إلى الله وحده الذي
خلق الناس لأمر يريده" أ. هـ (1 / 3386).
أرأيت يا أخي العزيز أن التذكير هو وظيفة الرسل؟! هل تريدنا أن نعطل وظيفة الرسل؟!
تقول معاجم اللغة العربية: "ذَكَر الشيء، يعني استحضره في ذهنه وجرى على لسانه
بعد نسيانه، فإذا كنت أنت لا تنسى فغيرك ينسى، ومن هنا كانت أهمية التذكير، فلماذا
تريد أن يمر علينا رمضان "هُس هُس"؟ ثم.. هل تدبرت قول الله تعالى في سورة النساء
"يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا"، لقد فهمت من هذه الآية الكريمة أن الإيمان لا حدود له ولا
نهاية، فعلى المؤمن أن يؤمن ويؤمن ويؤمن؟!
فأحاديث رمضان وفضائل رمضان ومزايا رمضان، يجب أن يزاد فيها ويعاد؛ لأننا لا نعرف
متى يتقبل الله منَّا، ومتى يغفر لنا سبحانه وتعالى.
الأول: يهز رأسه.
الثاني: تبقى كلمة مهمة.
الأول: ما هي؟
الثاني: إن رمضان الحالي غير رمضان الماضي، إننا نعيش رمضانَ مختلفا بعد أن تكالبت
علينا قوى الشر والبغي، إننا نعيش مأساة جديدة تضاف إلى المآسي السابقة، أقصد
مأساة فلسطين واخص بالذكر (غزة الصمود)، هذا غير ارتفاع درجة حرارة فلسطين إلى
درجة الحُمَّى، أليس رمضان فرصة لأن نقول لطلاب الآخرة: هيا إلى فلسطين، نقولها
بكل مشاعرنا وقلوبنا وأحاسيسنا وأرواحنا وعقولنا؟!
تقبلوو تحياتي